
الشمس المحرقه
منتصف النهار تقريبا
ساحة طابور الكليه
الطلبه جميعا .. الاعدادى والمتوسط ..والنهائى
صمت تام مطبق فى ارض الطابور
مساعد الكليه ومساعد كاتب الكليه يتقدمون الطابور
وفجاه
يدوى صوت البوق العالى المسمى بالبروجى فى ارض الطابور
يعتدل قادة السرايا والفصايل
صوت مساعد الكليه
(( السيد قائد لواء الطلبه ...انتباااااه ))
لعنة الله على كل قادة الالويه حتى وان اصبحت يوما واحدا منهم
حضر السيد قائد لواء الطلبه
يقف امام الطابور كالديك الرومى المنفوش
واثق الخطوة يمشى ... عميدا .., نسر ونجوم وجناح
سيصاب هذا الرجل بخلع فى الكتف مما يثقله من احمال
خطاب الجماهير امام الطلبه
(( الالتزام بالمظهر المناسب ... احترام القاوعد والقوانين خارج الاسوار جزء لا يتجزا من انضباط الرجل العسكرى ))
((بدلتك بتدل على كليتك ..ومظهرك قدام الناس بيمثل مظهر المكان اللى بتنتمى له ))
(( شرف الانتماء للكليه الجويه يجب ان يحافظ عليه بالمظهر اللائق يا حضرات ))
((الفرق بينك وبين اى ضابط تانى فى القوات المسلحه ان انت هتموت ...وفيلدك بيلمع ))
والفيلد هو حذاء الطيارين لمن لا يعرف
((الانضباط جزء لا يتجزأ من شخصيتك ومشيتك ومظهرك وكلامك مع الاخرين ))
اه
اذن سيواصل سيادته الهذيان حتى يحصل على فريسته....
يستحيل ان يستعرض السيد قائد لواء الطلبه طابور الاجازات دون ان يصطفى تلات اربع طلبه لقضاء خميس وجمعه بين جدران الكليه ....
من غير المعقول ان ان يكون طلبة الاعدادى والمتوسط والنهائى جميعهم ملاحه وطيران من المنضبطين الملتزمين ؟؟؟؟
انا شخصيا خارج الحسابات
اليوم اتم 21 يوم فى الكليه دون ان ارى الاسفلت
حتى اننى اصبحت احلم فى كل ليله انها ليلة الاجازه
وابنى قصورا من الرمال وحوائطا من الاوهام وانام ودمعتى تسيل على ركبتى من الحزن والشجن
تم حبسى الاسبوع الماضى نتيجة اختلاف وجهات نظر بينى وبين السيد قائد السريه حول احقيتى فى النوم اثناء ساعات المذاكره
حبست ايضا الاسبوع قبل الماضى نتيجة اختلاف وجهات نظر مع السيد قائد الفصيله حول سبب وجود سيجارتين فرط فى دولاب ملابسى
حافظت طوال هذا الاسبوع على الا يكون لدى اى وجهة نظر حيال اى شىء يخصنى او يخص الغير
انا غير موجود تماما
اشعر اننى نسيت شكل الشارع والناس والازدحام والسيارات
كان حلم ليلة الاجازه يطاردنى بشكل مخيف
والنساء
ياااااااااااااه
جنس النساء
ذلك النوع من البشر الذى يتميز عنا ببعض الشكليات والتفاصيل غير الهامه
صدور بارزه ...ارداف ممتلئه .. صوت ناعم واسلوب ناعم وذقن دايما ناعمه ....
دون ان يضطروا الى كحت وجوههن بالامواس كل يوم صباحا
شارعنا ..منزلى الجميل
ابى ... الذى يؤمن اننى هنا الان لكى اصبح رجلا
سامحه الله ...... كانت هناك الف طريقه اخرى لجعلى رجلا غير القائى فى هذا الجحيم
امى .. الحبيبه الحنونه
التى تصر فى كل اجازه على غسل ملابسى كلها ونشرها فى اول صف من الحبال
حتى يعرف الشارع كله ان هذا البيت به طيار
من اجل كل هذا واكثر
..........................
.........
اقف لا فرق بينى وبين عمود الخرسانه المسلح
فى بدلتى الكحليه الفاتنه...بدلة الاجازات كما يسمونها
اقف نموذجا للطالب المنضبط
حليق الرأس ناعم الذقن معتدل القامه مرفوع الهامه لامع الحذاء
لن يصيبنى اى اذى من الباحثين عن المتاعب للطلبه
استمر السيد قائد اللواء فى هذيانه دون ان ينسى الاشاره الى قائمة المحرمات التى لا تنتهى
حينما حطت تلك الذبابه اللعينه على انفى
وانطلقت فى رحلات استكشافيه كأنها ماجلان فى زمانه ما بين عينى اليمنى الى عينى اليسرى الى اذنى الوسطى
وانا اكاد انفجر من الغيظ
اتخذت تلك الملعونه من وجهى مسرحا للعمليات وانطلقت تصول به وتجول وكأنه ...وكأنه ليس له صاحب
ثم بدا انها اصابها الارهاق من الترحال فاستقر بها المقام فوق ارنبة انفى بالضبط
حاولت جاهدا ان احرك رأسى قدر المستطاع بشكل لا يشد انتباه احد من الساده زبانية الكليه لكن هذا لم يفلح فى زحزحتها من مكانها ابدا
كانت على مايبدو قد استقرت وبدأت التفكير فى اختيار شريك الحياه المناسب تحقيق حلم الاسره والاستقرار
جربت ان انفخ بعض الهواء من فمى على طريقة خارجا من شفتى السفلى الى اعلى باتجاه انفى
ولكن ذلك لم يفلح فى تغيير قناعات الذبابه التى اصرت على البقاء مهما حدث
لم يعد هناك سوى ان احرك يدى فى جزء من الفينتو ثانيه لازيحها بأى ثمن دون ان يلحظ احد
وبالفعل انتهزت لحظه دوران فى نهاية الطابور للسيد قائد اللواء ودون ان التفت بالطبع
حركت يدى فى جزء من اعشار الجزء من الفيمتو ثانيه وطارت الذبابه اللعينه
و......................
((الطالب اللى بيهش الدبانه ...... ضم على المحابيس ))
((يا فندم سيا....))
((نفذ يا طالب ))
خرج من انفى صوت اعتراضى سمعه كل من فى سريتى تقريبا
خرجت من تشكيل السريه باتجاه طابور المحابيس
لقد طار حلم الاجازه ... واصبح من الواضح اننى لن ارى الاسفلت قريبا
واذا بى اسمع صوت ضحكه مكتومه سمعها نصف الطابور تقريبا ..ميزت فيها ضحكه السيد الزميل بلانتىوكرد فعل تلقائى علا صوت السيد قائد اللواء قائلا ..
(( بتضحك على ايه يا طالب يا مهزأ... طيب ضم على زميلك فى المحابيس علشان تضحك كويس ))
واتجه السيد قائد اللواء بتجاهى انا وبلانتى ونحن فى مقدمة المحابيس
عندما سمعت بلانتى يهمس فى اذنى (( ما رضيتش اسيبك لوحدك يا عم ... جيت اسليك ))
لم اتمالك نفسى من النفخ وقد انهارت كل احلامى وطموحاتى فى رؤية الاسفلت والكائنات التى تسمى النساء ..
(( يعنى يا.... امك جاى معايا السينما ؟؟))
اقترب السيد قائد لواء الطلبه منا وواقف يتمايل امامى كغصن زيزفون قائلا
(( بتهش الدبان قدام قائد اللوا يا طالب ؟؟؟))
((يا فندم سيادتك والله غصب عنى ......))
قاطعنى قائلا ...(( وكمان غصب عنك ..... والتفت الى بلانتى قائلا ..وانت ياطالب بتضحك اوى ...طيب انا بقا هخليك تندم على اليوم اللى دخلت فيه هنا ))
......... رد لانتى بسرعه وبدون تفكير
(( انا ندمان على اليوم ده من زمان يا فندم ))
اتسعت عينا قائد اللواء لتبتلع نصف وجهه تقريبا
..... ثم صرخ بنا كالملسوع (( انت بتقول ايه يا طالب .....انت ندمان من زمان !!!!!!
طيب دور نفسك مكتب مدير الكليه انت والمهزأ اللى معاك وانا هعرفك يعنى ايه دموع الندم ))
رفعت ساعدى الايمن بأدب وانا اقول (( طيب يا فندم انا لسه ما ندمتش اددور مكتب المدير ليه ؟؟؟))
رفع رأسه باتجاهى وهو يهز راسه كمن يعانى من تسرب ماء فى اذنه
((عشان تندم انت كمان يا ضنايا ..... انصراف يا طالب يا هوزأ منك له ..انصراف ))
وبالخطوه السريعه اتخذت انا وابن ال .... بلانتى طريقنا الى مكتب مدير الكليه وشاءت الاقدار ان نلتقى فى الطريق بالسيد كبير معلمى الكليه ويسألنا عن سر اتجاهنا الى المكتب المخيف فيقص عليه بلانتى القصه
فيتعجب السيد كبير المعلمين بشده ويعلق على القصه بقوله لبلانتى
انت السريه الكام يا ابنى ؟؟؟
صاح بلانتى كأنه يصدر امرا بالهجوم (( التالته يا فندم ))
نظر اليه الرجل نظره فاحصه متأمله ثم قال
ثم سأل بلانتى وهو يدنو برأسمه منه قائلا
(( انت اسمك ايه يا طالب ؟؟؟))
ابتسم الوضيع ابتسامه صفراء ذات مغزى وهو يقول بصوت شبه خافت (( محمد جلال مرزوق يا فندم ))
بادله السيد كبير المعلمين نفس الابتسامه الوضيعه ذات الدلاله الاكثر وضاعه
(( ازاى كده .... دا انت طالب محترم ومنضبط .... اكيد هوا المهزأ اللى معاك ده ..تعالى انت معايا اشوف ايه القصه دى ... ثم التفت الى قائلا
وانت يابنى ..دوور نفسك زنزانه ..))!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وبالخطوه المعتاده
اتجهت من مبنى المكتب المخيف الى عنابر الزنازين
لاقضى فيها ليلتى
التى تحول حلمها الجميل من حلم ليلة الاجازه
الى حلم ............... فى الزنزانه
منقول عن (( مذكرات .... ضابط اخر انضباط))